أُسايرُها المتونَ
( بحر الوافر )
مُهداة إلى روح المغفور له بإذن الله تعالى ،
أمير البيان الشيخ عبدالله بن علي الخليلي ،
شاعر عُمان الأول في القرن العشرين.
شعر : حمد الراشدي
مسقط
٢٧ رجب ١٤٤٥ هـ - ٨ فبراير ٢٠٢٤ م
أُسايرُها المُتونَ لها انْصياعا
وتُلْزمُني انْقياداً واتِّباعا
حِساناً كالْلآلي في عُذوقٍ
لها الزُّرّاعُ ما برِحوا نِزاعا
وكالنَّخْلاتِ إذ تَشْفي غليلاً
وفي نَهَمٍ أَطَلْتُ بها رِضاعا
"بوحْيِ العَبْقَريِّةِ " سِفْرُ شِعْرٍ
مِنَ الدُّرَرِ المَصونِ سنا لَماعا
ومدْرسَةٌ رَقَتْ بالنُّظْمِ بَيْتاً
بما صحِبَ البديعُ بهِ يَراعا
وقَفْتُ على البُحور بها وَلوعاً
وقد جَعلَ الأميرُ لها اتِّساعا
بها بُسِطتْ مِلاحٌ مِنْ مَعانٍ
مَبانيها تَماهَتْها طِواعا
وفي الأغْراضِ ما شَمِل امْتِداحاً
وتَشْبيباً على غَزَلٍ تَداعىٰ
وأسْفاراً وزُهْداً جاءَ أصْلاً
بأصْلِ الخاشعينَ سَمَوْا طِباعا
وللْوَطَنِ المَحوط بفيْضِ حُبٍّ
تَعَدَّدَتِ السُّموطُ صَفَتْ نِقاعا
ووُفِّيَتِ الْعُروبةُ حظّ بِكْرٍ
و بالإسلامِ حُسْنُ السَّبْكِ ذاعا
تَعانَقَتِ البلاغةُ والمَرامي
فما حَرْفٌ أتى فيها انْتِزاعا
وكم جُمِعَتْ حِسانٌ إذْ تَجلَّتْ
على مَتْنٍ تفيضُ بهِ شُعاعا
غَنَيْتَ عن المديحِ أيا أميراً
ولن يُوفيكَ صاعٌ زادَ صاعا
أتيْتَ إلى البيانِ فَشِدْتَ قَصْراً
وحصّنْتَ القريضَ فلن يُضاعا
وألْبسْتَ الكلامَ ثيابَ عِلْمٍ
وأحْلَلْتَ الخطابَ حِمىً يفاعا
وقد كانت لَتأتيكَ القوافي
على لَهَفٍ تُحيطُ بها ذِراعا
فَتَسْكُبُها مِداداً مِنْ لُجَيْنٍ
يَفُكُّ الْوَقْرَ إنْ طُلِبَتْ سَماعا
ويُنْشِدُها المُريدُ لِواذَ سِحْرٍ
يُعاذُ بهِ ويَبْريهِ صُداعا
تُردِّدُها المعاهدُ في سُرورٍ
وتَحْفظُها وتأْباها وداعا
ويَسْألُكَ العُفاةُ لها ازْدياداً
وقد وفَّيْتَ فَوْقَ الشِّبْرِ باعا
وليسَ سِوى على حِكَمٍ تَهاموا
وسِلْسالٍ هَمىٰ مُزْناً هِماعا
فصيحُ الشِّعْرِ عنْدَ العُرْبِ سِفْرٌ
بهِ الأحْداثُ قد خَلعتْ قِناعا
وديوانٌ بهِ الأخلاقُ وِرْدٌ
لِمَنْ صَدِأَتْ بهِ الأنْفاسُ ساعا
ولولاهُ لَما حُفِظَتْ ذِمارٌ
وما عُرِفَ الكَميُّ متى أراعا
وما خطَبَ المُلوكُ وِدادَ فَحْلٍ
وما تُلِيَتْ مَشاجِرُهُ الشُّجاعا
هنا الفُصْحى تجودُ لنا عطاءً
مِنَ الفِكْرِ الذي يَحمي النُّخاعا
وبحرُ المُفْرَداتِ بها خِضَمٌّ
وما خُذِلَ الذي مَطَّ الشِّراعا
"سمائلُ " أنْتِ وَجْهٌ شَعَّ فَضْلاً
ولِلآدابِ هِيْ سَمِقَتْ قِلاعا
وما بِسوى جَداوِلها فُحولٌ
أساحوا الشِعْرَ يُخْصِبُها التَِلاعا
سُراةٌ مِنْ ذوي القِدْحِ المُعَلَّى
عَلَوْا أدَباً كما شَمِخوا مِناعا
أميرُ العَبْقريِّةِ قادَ رَهْطاً
مِنَ الشُّعَراءِ ما وَهَنوا جِماعا
على الأدَبِ الرَّفيعِ يَعِجَُ نَبْضاً
وتحْمِلهُ المطابعُ كيْ يُشاعا
إمامُ الشِّعْرِ يُبْدُعُها قَصيداً
وقد سَبقَتْ شَوارِدُها الزِّماعا
ألا يا ذا الخليليُّ اسْتَمرَّتْ
بِكَ الأبياتُ مِنْهاجاً يُطاعا
على النَّغَمِ الرّصينِ بَقيْتَ تَشْدو
وما غرَّبْتَ في الشِّعْرِ اصْطِناعا
أقَمْتَ على القصيدةِ سُوُرَ جَصٍّ
فلمْ تُضْرَبْ ولا سَقَطتْ مَتاعا
أتى دَهْرٌ ولازال التّنادي
إلى شِعْرٍ على الصَّفَحاتِ ماعا
وقَفْتَ وقُلْتَ إنْ مُسِخَتْ بُحورٌ
فَناوِلْها وأطْعمْها الضِّباعا
وهذا الشِّعْرُ لا يُدْهىٰ بليلٍ
لهُ الأبْوابُ تأباهُ انْخِلاعا
لهُ الرُّكْنُ الحَصينُ كما تَرسّىٰ
مِنَ الآزالِ لا يَدْنو القِياعا
وإنْ عَصَفتْ بدارِ العُرْبِ ريحٌ
وزاغ القوْمُ إذْ حسِبوا انْتفاعا
فللْقُرآنِ عَوْدٌ والْتِفافٌ
هُوَ اليَنْبوعُ يَحْميها ارْتجِاعا
عَليْكَ الرَّحْمةُ اسْتِحْقاقَ عَبْدٍ
شَرىٰ يَبْغي رِضا المَوْلى وباعا
وعِشْ في الخالدينَ ومَنْ تَهَنَّوْا
عَبيرَ الخُلدِ يأتيكَ ارْتِفاعا
" وحيُ العبقرية " اسم ديوان للشاعر أمير البيان .