لا يُنْكَرُ الرُّحْمُ
( بحر البسيط )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
١٥ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ - ٨ أكتوبر ٢٠٢٥ م
لا يُنْكَرُ الرُّحْمُ في الأزْمانِ والحِقَبِ
والدَّهْرُ فيه كما فِينا مِنَ النَّسَبِ
تَخابَرَتْ بَيْنَها الأحْوالُ إنْ صُرِفِتْ
على السُّرور كما نَمَّتْ عنِ الكُرَبِ
السّاحُ تَبْعُدُ لٰكنْ ليسَ فائتَها ،
وإنْ ترامَتْ ، لِما يَعْلو وما يَجِبِ (١)
كأنَّ رَهْنَ صُروفِ الدَّهْرِ زاجِلَةً
تَحومُ ناشِرَةً لِلْفَوْزِ والْخِيَبِ
فعِنْدَ إقْبالِها فَرّتْ بمَبْسَمِها
في كُلِّ طُهْرٍ مِنَ الساحاتِ والرُّحَبِ
وعِنْد إدْبارِها لاحَ القُطوبُ لها
في كُلِّ قَفْرٍ يَجُرُّ الذَّنْبَ بالذَّنَبِ
كَأَنّما جَرَيانُ الدَّهْرِ مِنْ حِصَصٍ
طَوْرًا دَواهٍ إذا شَدَّتْ ولمْ تَسِبِ
وتارةً هيَ والآمالُ في وَسَقٍ
والنصْرُ يأتي على الإقدامِ والوَثَبِ
والنّصْرُ يأتي إذا الأفذاذُ قد عَزَموا
على الفِداءِ ولمْ يَخْشوا على الحُوَبِ (٢)
لمْ يأتِ نَصْرٌ لهُ الأقْفالُ مُحْكَمَةٌ
على العَزائمِ والأقْوامُ في صَبَبِ
وإنَّما مِنْ نِصالٍ ما ارْتَوَتْ زَمَنًا
تَنْقَضُّ نَهْلًا نُهولَ الصّارمِ العَضِبِ
قالتْ بذا سُوَرُ التاريخِ إذْ شَهِدَتْ
تَعاقُبَ الدَّهْرِ بالْكَرّاتِ والأُوَبِ
مِنْ ثَغْرِ أُنْثى تَعَالتْ صَيْحَةٌ وبِها
نادَتْ لِ "مُعْتَصِمٍ " بالسّيْفِ ذي الحَدَبِ (٣)
جاءَ النِّداءُ زِبَطْرِيًّا فَسَلّ لهُ (٤)
عَزْمُ الخليفةِ بَتَّارًا مِنَ اليَلَبِ (٥)
قادَ الجيوشَ وقدْ سارتْ مُدَجَّجةً
ولمْ يُبالِ بِعَرّافٍ ومُكْتَسِبِ
وراح في جَحْفَلٍ واللهُ آزَرَهُ
يَعْلو بمُلْتَمِعٍ لِلنَّصْرِ مُنْتَدَبِ
في يومِ وَقْعةِ عَمُّوريِّةَ انْتَكَسَتْ
جحافِلُ الرُّومِ إذْ قاستْ مِنَ النُّكَبِ
مَلْوِيَّةً عُنُقًا ، جُزَّتْ نَواجِذُهُمْ
لِمَنْ نَجا مِنْ مَصِيرِ العُودِ والحَطَبِ
" السَّيفُ أَصْدقُ " والطّائيُّ ناظِمُها (٦)
قصيدةً مِنْ عظيمِ الشِّعْرِ في الأَدَبِ
وَصْفٌ بها مُحْكَمٌ يَنْسابُ قافِيةً
لما تَسَدَّدَ بالأفْعالِ لا الصَّخَبِ
" تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ باللهِ ، مُنْتَقِمٍ
للهِ مُرْتَقِبٍ في اللهِ مُرْتَغِبِ "
لمْ تَمْضِ إلّا سُنونٌ عُدَّ مُجْمَلُها
حتّى تَكرَّرَ نَصْرُ اللهِ في العَرَبِ
تَوَلَّدَ الحَدَثُ السّامي بِمَلْحَمَةٍ
مِنْ عَزْمِ مَنْ كانَ لا يَجثو على الرُّكَبِ
مِنْها " سُقَطْرى " تهادى الصّوْتُ مُضْطرِمًا (٧)
على بيانٍ مِنَ " الزّهْراءِ " مُلْتَهِبِ (٨)
بالشّعْرِ تَدْعو " الإمامَ الصّلْتَ " راجِيَةً(٩)
" بأَنْ يُغيثَ بناتَ الدّينِ والحَسَبِ "
غَزا الجَزيرةَ أَحْباشٌ قَدِ ارْتَكبوا
فُحْشَ الجرائمِ " لَمْ يَأْلوا مِنَ السّلَبِ "
فقادَ صَلْتٌ نَفيرًا إذْ تَتوقُ لَهُ
بالسّيفِ - أفئدةُ الأبطالِ - والقُضُبِ
وَجَهَّزَ الفُلْكَ أُسْطولًا عَلا لُجَجًا
في البَحْرِ سارَ وما يُثْنى عنِ الطّلَبِ
لِمَنْ أغارَ على أهْلٍ وأَبْنِيَةٍ
مِنَ اللئامِ بَغَوا بالقَهْرِ والنّهَبِ
حتّى إذا أدْرَكَ الأرضَ التي قُهِرَتْ
شَدَّ الطّعانَ على الأحْشادِ والْعُصَبِ
حتى إذا أمْعَنَ الأبطالُ كَرَّهُمُ
لمْ يَبْقَ عِلْجٌ سِوى شَلْوٍ ومُقْتَصَبِ (١٠)
فَحرَّروا لسُقطْرى حُرَّ ساكِنِها
والحَرْثَ والنّسْلَ إذْ عادوا إلى النَّشَبِ (١١)
ٌ
نَصْرٌ تَأَتّى مُبينًا بَعْدَما رُفِعَتْ
يَدُ السلاحِ وما كُفَّتْ مِنَ الرّهَبِ
فَتْحُ الجُنوبِ هنا قد كانَ أوَّلُهُ
فَوْقَ الشَّمالِ طَوى حُكْمًا مِنَ الشُّهُبِ
في البَحْر كانت سُقُطْرى والسّفينُ حَمى
والبَرِّ كانت زِبَطْرى شُبَّ باللّهَبِ
١- يجبِ : يَقَعْ
( والشمسُ طالعةٌ من ذا وقد أفَلَتْ
والشمس واجبةٌ من ذا ولم تَجِب ) أبو تمام
٢- الحُوَب : جمع حَوْباء وهي الرّوح .
٣- الخليفة العباسي الثامن المعتصم بالله ، حكم الدولة العباسية في عام ٢٢٧ هـ لمدة ثمان سنين ونيف
٤- نسبةً إلى زبَطرةْ المدينة التي غزاها الروم ، واستغاثت فيها امرأة مسلمة بالخليفة العباسي المعتصم حين أطلَقت الصيحة الشهيرة : وامعتصماه .
٥- اليَلَب : السيف عُمومًا ، وأصله للسيف اليماني .
( عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِي
وَأسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِيْنَا ) عمرو بن كلثوم
٦- الشاعر حبيب بن أوس الطائي ( أبو تمّام )
٧- سُقطرى : جزيرة في جنوب بحر العرب تابعة لليمن خضعت للحكم العماني سابقًا .
٨- الزهراء : فاطمة بنت حمد بن خلفان الجهضمية من سمد الشأن بشرقية عمان ولقبها الزهراء ، كتبت قصيدة تستغيث فيها بالامام الصلت لنجدة سقطرى بعد ان غزاها الأحباش وقتلوا واليها .
٩- الإمام الصلت بن مالك الخروصي الذي تولى الإمامة في عُمان عام ٢٣٧ هـ لمدة ٣٥ عامًا .
١٠- العِلج : مفرد علوج وهم الغازون من غير المسلمين .
و الشلوْ : مفرد أشلاء ومقتَصب : مقَطّع .
١١- النّشَب : العقار من الأموال .