سِمِعْتُ
( بحر الطويل )
شعر : حمد الراشدي
ماينز - ألمانيا
٢٢ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ - ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥ م
سَمِعْتُ وما كُنْتُ الذّرائعَ أسْمعُ
ولٰكنَّ قَلْبي بالتّسامُحِ يَصْدَعُ
وإنّي على بُعْدِ الدِّيار لَأتَّقي
ظُنُونًا عَنِ الأحبابِ والعُتْبَ أَرْفَعُ
وإنّي وإنْ يَوْمًا جُفِيتُ على النَّوى
بَنَيْتُ على السّوْداءِ في الصّدْرِ تَقْبَعُ
كأنِّي وأهْلي والصِّحابَ ضَمائرٌ
يَعودُ عليها الفِعْلُ بالضَّمِّ يُرْفَعُ
عَزَزْتُ ولي في العِزِّ دارٌ وَمَوْطِنٌ
وليسَ بغيرِ الدارِ لِلْعِزِّ مَرْبَعُ
مَرَرْتُ على جَمْرِ الهَوى وحَمَلتُهُ
وذُقْتُ دَلالَ الخُودِ حُبًّا أُمَتَّعُ
ولٰكنَّ في الأوْطانِ بُتُّ صَبابَةً
أُقاسي مِنَ الوَجْْدِ الذي يَتَفَرَّعُ
رَمَتْني نِبالُ الشّوْقِ والسَّهْمُ صائبٌ
فقَرَّ بأحْشائي وعَيْنِيَ تَدْمَعُ
أيا مُهْجَةً كمْ تَبْلُغينَ لُبانةً
وفي كُلِّ بُلْغٍ ذا الْفُؤادُ مُوَجَّعُ
يَقولونَ : سافِرْ تَلْقَ غُنْمًا وبَهْجةً
وجَدِّدْ فُؤادًا ، والمَدائنُ وُسَّعُ
وغَيْري بها الأسفارُ غادٍ ورائحٌ
وعِنْدي قِصارًا لا تُمَطُّ وتُجْمَعُ
وليسَ لِمِثْلي أنْ يَطَولَ بعادُهُ
إذا هَمَّ تِرْحالًا ، هُنَيْهًا ويَرْجَعُ
وعُذْري بما في القَلْبِ عندي رَهافةٌ
وما لاشْتِياقي حِينَ يَضْرىٰ ويَشْنَعُ
وكيفَ ابْتِعادي عنْ عُيُوني وماؤها
سَقىٰ كَبِدي بينَ الضُّلوعِ تَمَرَّعُ
وسائلةٍ : أيُّ الهوىٰ فيكَ تَحْتَوي ؟
فَقُلْتُ الذي يَهْمي ، يَجودُ ويَهْمَعُ
تَقولُ : أبِالْحُبِّ الذي فيكَ تَنْبَري ؟
فُقُلتُ : نَعَمْ ، أُبْدي ولا أَتَقَنَّعُ
ولٰكنَّهُ حَصْرٌ عليَّ ومَوْطِني
بِهِ الآيُ مِنْ نُعْمى تُضيءُ وتَسْطَعُ
ومَهْدي وطَوْفاتي ودَرٌّ رَضَعْتُهُ
وَ أُنْسي وغَرْسي والحِياضُ المُرَبَّعُ
وشِعْري وأقْلامي وحِبْري ودَفْتَري
ونخْلي ورَوْضاتي التي تَتَضَوَّعُ
ويَوْمي وحُلْمي واقْتِبالي على المَدى
غداةَ يُناديني فإنِّي لَطُوَّعُ
بلادي سقَتْني بالرّحيقِ وشَهْدِهِ
عُمانُ التي فيها المكارِمُ تُصْنَعُ
تَفورُ بها الأمجادُ في كلِّ رَبْوَةٍ
ومِنْ مَنْبَعِ الأزمانِ تَسْنو وتَلْمَعُ
يُحادِثُكَ التاريخُ عنها بِزَهْوِهِ
وتَعْرِفُ مِنْهُ ما يُعِزُّ وَيَرْفَعُ
وقد كانتِ الأيامُ منها كواحدٍ
معَ الحقِّ لا يُثْنى ولا يَتَزَعْزَعُ
وما ردَّتِ الفَزْعاتِ عِنْدَ مَلِمَّةٍ
لها مِنْ دَواعي الخَيرِ عَزْمٌ ومُزْمَعُ
وقَوْمي بها صِيدٌ أُباةٌ مِنَ الأُلى
إذا سَمِعوا الصُّيّاحَ لا يُتَروَّعُوا
تَرَبَّوْا على النّجْداتِ جادوا بما وَلَوْا
لَهُمْ هِمَمٌ طَوْعَ الذِّمامِ ومَشْرَعُ
ومِنْ أوَّلِ الإسْلامِ بَرَّوا بِوَعْدهِمْ
هُداةٌ حُماةٌ والكتابُ مُمَنَّعُ
فَشادوا به فِكْرًا يَقومُ على الهُدىٰ
وما غادروا الإصلاحَ حِينَ تَجَمَّعوا
وفي خِدْمةِ الإنْسانِ جادَ عَطاؤهمْ
عُلومًا وآدابًا تُخَطُّ وتُطْبَعُ
هُناكَ الذُّرى طالتْ تُسامي جِبالَها
عليْها رُعاةٌ والمَليكُ السُّمَيْدَعُ
تَسيرُ الخُطى مِنْهمْ تِجاهَ مَرامِها
تُحيلُ الثَّرى تِبْرًا ولوْ قِيلَ بَلْقَعُ