أنا الوادي
لقد جئتُ أنا الوادي
بأحْمالي وأزْوادي
وألطافٍ من المولى
لِترويْ ظَمْأَةَ الصّادي
ولكن لم أجدْ دربي
ولا جرْييْ ومُعتادي
فيا هوْلي ويا حُزْني
فمن أَوْدى بأورادي
لمن أشْكو لكيْ أمضي
إلى دَوْحات إنشادي؟
إلى مَن كنتُ ألقاهم
ويلقَوْني بأعيادِ
فمن ذا سدَّ أدفاعي
أهُمْ خصمي وأندادي؟
وقد جئتُ أنا الوادي
مُغيثاً مرْعَ أبلادِ
هنا حيطانها دُورٌ
أُقيمتْ فوق أزنادي
هناك السّورُ لا يُعلَى
فيَطْفو عنه إزبادي
وهذا البيتُ لا أدري
أأمْضي وسطَ سُهّادِ
وما كُنتُ ولا طبعي
بمُغتالٍ ولا البادي
وما أُرْسِلْتُ مُجتاحاً
لآباءٍ وأولادِ
وما خُلِّقْتُ من أصلي
سوى رِفقاً بوُدّادي
لقد بِيعَتْ حِمى دربي
وما للبيعِ من فادي
وقد سِلتُ أنا الوادي
وما صَحْبي بمُرّادِ
سقى الرحمنُ أرواحاً
بما جادوا بإعدادِ
بَنَوْا أحياءَهم تَرْقى
على سفْحٍ وأنجادِ
وما ضاقت بهم أرضٌ
رعَوْا حقّاً لأمدادي
فكم أخصبْتُ مرعاهم
وكم أعلَيْتُ أطوادي
وما قارَفْتُ من ذنبٍ
على مَن كان شُهّادي
وما جوزِفْتُ مِن غِرٍّ
وما أثْكلْتُ وُرّادي
سقَيْتُ السهلَ أحواضاً
عليها فِضْتُ من زادي
لقد سُحتُ أنا الوادي
إليْهِ زرْعَ أوهادِ
سلاماً أبْتغي دَوْماً
وأُهديهِ لقُصّادي
بلا قيْدٍ أنا أجري
ورَسْمي ريُّ أجوادِ
وربُّ الكون أجراني
حَيَاً من رأس أوتادِ
وفاح الزّهرُ حيّاني
وأثنى شُكْرَ عُبّادِ
وأغصانٌ دَنتْ نحوي
ومالت نَشْوَ سُعّادِ
غِناءُ الروْضِ من سكْبي
وعزفُ الريح إرشادي
وما للطير من عُرسٍ
إذا لم يَشْدُ تِرْدادي
وقد جئتُ أنا الوادي
بأشعاري وأعوادي
أماسيها الرُّبى وُشِّتْ
كعقْدٍ طوْقَ أجيادِ
وأسفارُ الهوى تُرمى
سِهاماً لحْظَ أغمادِ
وهذا البدرُ محتارٌ
أيُفْضي سِرَّ وُعّادِ
يبوحُ الليلُ مكظوماً
بأشماسِ الضُحى الغادي
وهبَّ النسْمُ حَمّالاً
زَكىً مِن وِرْدِ أمْلادِ(١)
وسِلسالٌ هنا يجري
يُثَنّي سَبْحَ آحادِ
ألا يا وصْلُ يا طوبى
لمن مسّى بميلادي
فكم جئتُ أنا الوادي
بأزهاري وأسرادي
١- جمع أُملود وهي الفتاةُ الناعمة .