كيف التَّعذُّرْ ؟ *
كيفَ التَعُذُّرُ ؟ سُوُءُ الظَّنِّ أخْلَفَني
بَعْدَ الوثاقَ بِما أمْسىٰ على وَهَنِ
عَرَفْتُ فيكَ مِنَ التّمْحيصِ غايَتَهُ
ولا تُصَدِّقُ ما يَأْتي على دَخَنِ
وكمْ صَدَدْتَ الرُّغا مِنْ صَوْبِ نافِذةٍ
هُزَّتْ جوانِبُها بالْفُحْشِ والْخَشَنِ
أُرْجِفْتَ عنّي وما صَدَّقْتَ حامِلَهُ
وقُلْتَ هاتوا لِما للزَّعْمِ مِن بَدَنِ
وقَفْتَ دهْراً لِتُسْديهِ وتَبْسطُهُ
ذراعَ وُدٍّ وما عانى مِنَ العَنَنِ
واليوْمَ أبْدلتَ بالإثْباتِ أغْشِيةً
مِنَ الشّكوكِ وما يُطْوىٰ مِنَ الظِّنَنِ
حَفَظْتُ للوُدِّ في لُقياكَ أَحْرُسُهُ
وصُمْتُ دَهْري عَنِ الأضغانِ والإحَنِ
أُراقِبُ الجَسْرَ حتى أَحْمِهِ صَدَعاً
وأَرْتُقُ الفَتْقَ مَنْظوماً بلا خَبَنِ
لَزِمْتُ عَهْداً وما زايَلْتُ عنْه وما
نَكصْتُ عن سَنَدٍ في أيِّ مُمْتَحَنِ
خاطَبْتُ فيكَ الذُّرى فِكراً ومنْقَبَةً
ولمْ أُبالِ بما أدْمىٰ وأَكْلَمَني
عجِبْتُ أَمْرَكَ إذْ أغواكَ واشِيُهُ
قَرَّبْتَ رأساً كما أَصْخَيْتَ بالأُذُنِ
أرْهَفْتَ سَمْعاً ورَنََتْ مِنْكَ صاغِيةٌ
والقلبُ قِيدَ إلى سَحَّارةِ المُدُنِ
وقدْ سَمِعْتَ حُروفَ النُّطْقِ كمْ لُوِيَتْ
والْهَمْسَ بالشِّينِ لا بالسِّينِ باللحَنِ
مَنْ خَصَّكَ الْمَيْنَ لا يلْوي على خُلُقٍ(١)
إذْ عاد عنْك بما كانتْ ، ولمْ تَكُنِ
تُجّارُ خُبْثٍ وأعْوانٌ لهمْ شَبَهٌ
مِنَ القوارضِ لا تُبْقي على عَفَنِ
لا يُنْسَبونَ دَمَاً إلاّ كما نُسِبَتْ
تَحريكُ ذَيلٍ لها تَحْريكَ مُمْتَنِنِ
هُمْ في الكلامِ كنَعّابٍ إلى قِيَعٍ
هُمْ في المَقالِ كشَحّاجٍ بلا رَسَنِ
خُرَّابُ أَنْدِيَةٍ ، نُزّاعُ أَرْدِيَةٍ
نُسّاجُ أَضْغِنَةٍ في السّرِ والعَلَنِ
إنَّ الحقودَ وإنْ طالتْ شَوارِبُهُ
مِثْلُ الجَهولِ عديمُ العقْلِ والفِطَنِ
أنْصافُ خَلْقٍ بلا لُبٍّ ولا أدَبٍ
ولا ذِمامٍ لَهُمْ في الدّينِ والسُّنَنِ
أَلْحاملونَ مُزاداتٍ بها طَفَحٌ (٢)
أَلْخائضون بأفْواهٍ مِنَ الأَجَنِ
إنْ يَسْلَمِ النّاسُ مِنهمْ يُتَّقىٰ عَبَثٌ
وإنْ يُحَابوا فَلَنْ يُمْسىٰ على وَسَنِ
تَرى حُضوراً لهمْ في كُلِّ مُلْتَأمٍ
في البَرِّ والبَحرِ والأجْواءِ والسًُفُنِ
مَنْ يَفتحِ القلْبَ سَمّاعاً لِما قَذَفَتْ
بِهِ الحَناجِرُ زُوراً عبَّ بالأَسَنِ
يَشُوهُ في الرأيِ والرِّيباتُ تَغْمُرُهُ
والشَّكُُّ سائقُهُ في السَّعْدِ والحَزَنِ
هل للضغائنِ أنْ تعْلو إذا حُفظِتْ
سَوْدا القُلوبِ وما عَنَّتْ لِمُرْتَهِنِ
تَرْبو المَظالِمُ مِنْ قوْلٍ بلا سَندٍ
والذَّنْبُ لاقِطُهُ مِنْ ثَغْرِ مُلْتَسِنِ
لوْ كانَ للعَقلِ تَحقيقٌ ومَسْأَلةٌ
ما نِيلَ مِنْها النَُهى أوْ شِينَ مِنْ حَسَنِ
إنّ الشّمائلَ يَحويها الذي نَضِرَتْ
فيه البصيرةُ ما غُمَّتْ بِمُفْتَتَنِ
تُرْوى الضّمائرُ بالصِّدقِ الذي وَرِدَتْ
مِنهُ البصائرُ سِلْسالاً مِنَ المُزُنِ
والصّدْقُ شَمْسٌ تُضيءُ النَّفْسَ جَوْهَرَها
لِمَنْ أرادَ الهُدى لِلْحاذِقِ الذََّهِنِ(٣)
مَنْ يَتْبعِ الصِّدْقَ لا يَقْذى لهُ نَفَسٌ
والصّفْوَ يشْرَبُهُ في الحَثِّ و الهُدَنِ (٤)
* من قبيل ترويض القول .
(١) المَيْن : الكذِب .
(٢) المُزادات : جمع مُزادة وهي قِربة (مطّارة ) الماء .
(٣) الذَّهِن : الفَطِن .
(٤) هُدَن : جمع هُدْنة .