عيناك هالة بدر
عيناك هالةُ بدرٍ فتّحت نُوَرا
كم أرسلت قمرا من ضوئها فسرى
يُزيحُ ستر الدجى حتى اذا رُفعت
للفجر أشرعةٌ أزرى بها شزرا
بدر الدجى حاللٌ في الشهر منتَصفاً
وبدرُها قاسمٌ من يومه دهَرا
هل للبدور بروقٌ كالّتي لمعت
عينان من بين أجفانٍ لها لِترى؟
كلّا فما رمقٌ ترمي بهِ رِدَفاً
حتى يضيقَ ضُحى اليوم كمن بُترا
نهارُ أبيض عينيْها كفى وبَصاً
وأربك الصبحَ والقيلولَ والظُهَرا
وسائلٌ عن مثيلٍ في محاسنها
إنّي على شططٍ كي أعرفَ الخبرا
من أي مُنصَهَرٍ من أمتّي سُبكت
فأمّتي وحْدَها سبّاكةٌ دُررا
من تِبْر تُربتها أسماؤها نُسجت
حروفُها لغةً ، ضادٌ بها شُهرا
ما شُرّفت بالحكيم إذْ نضى قِيَماً
إلاّ على قبسٍ من سُمْرها جُمِرا
يُضيءُ للكون نوراً حيثما تُليت
آياتهُ رُتُلاً فاضت هُدىً نضِرا
للعلم مدَّت ذراعيها وما فرِغت
للعدل سوراً أحاط الدارَ والبشَرا
مِن حَرْفِها أمّةُ التوحيد ناطقةٌ
شهادةً قَصَمتْ من جار أو كَبُرا
من حوضها نُهُلٌ أربابُ منتَثرٍ
للقول ، مِن بحرها يغرف مَن شعَرا
ميمونةً كُتِبتْ من نحو أيْمنِها
واليُمْنُ غيرُ مفارقٍ لها سِيَرا
في نحوها قُعّدتْ صروفُها وبها
في المبتدا قِيَمٌ لا تنسخ الخبرا
من ظُرفها لغةً محبوكةٌ جُمَلٌ
مفعولُها فاز فتحاً ، شان مُنكِسرا
جمعُ الجموع بها وليس في أُخَرٍ
من غيرها والمُثنّى مثْلهُ اعتُبرا
قديمةٌ قِدَم التاريخ مِن زمنٍ
آدم أدلى بها يدعو ليعتذرا
لم تأتها غَلَباً يدُ الزمان ولا
غبارَ أحقابهِ أثنى لها طُوَرا
قِسْ ما بشِعْر زُهيرٍ وشدا عُمَرٌ
بما نزارٌ تنادى لا تجد غِيَرا
لكنّها تتبنّى ما طرا تَبَعاً
من صِيغٍ أو معانٍ أحدثت أثرا
يكفى ثناءُ محمّدٍ لها عِظَماً
يُلْقَى بيانٌ بها ، فسامعٌ سُحرا
النّاطقون بها من عجمٍ ، عَرباً
صاروا ، كما ورد الحديثُ واشْتُهِرا
أرسَت دعائم وحدةٍ بما جمعت
مِن شرقِهم عَرَباً وغربهم زُهُرا
في مغربِ العُرْب إذ قلاعُها سَمقت
وفي عُمان عَلتْ ابراجُها دُوُرَا
وبينها سطعت أنوارُها لغةً
للبدو والحضر مصباحا ومُفتَكرا
كم طالبٍ ودّها علْماً وما برحت
سَنَاً لهُيّمِها يَقْفونَها زُمرا
في بحرها للعلوم أبْحرٌ وبها
حُرّاسُها جندلوا ما زاف أو نُكرا
وفي الشريعة كانت مُحتمىً فإذا
ما شُقَّ في نَظرٍ جادت بهِ نَظرا
للأدب الحرّ بُنْيانٌ ومرْتَكزٌ
بالعربيّةِ جاء الفنُّ مزْدهِرا
فضلٌ لها عُرفتْ بهِ بما أخذت
من مفرداتٍ لها لغىً وما نُشرا
من ترجماتٍ أفاد الكونُ معْرِفةً
بها وسار على نهجٍ لها دهَرا
الضّادُ أمٌّ لنا فهل لنا نَظرٌ
نمضي بهِ كُلِفاً بحبّها سُرُرا
لا يقتضينا هواها قيد تكلفةٍ
إلاّ بما يقتضي حبٌّ لها شُكَرا
والشّكر يُصْدِقُهُ فعْلٌ يُعزّزهُ
بالبرِّ ما وسعت نفسٌ لهُ صُوَرا
كفى بنا شَرَفٌ إذ ناطقين بها
أرومةً لا اكتساباً جلّ مُفْتَخرا
فلا أقلّ لكيْ يُوفى بمُعْتَرفٍ
عن فضلها كَرَماً أن نُخلصَ السُّررى
فيما نقول بها وما عنى قلمٌ
لنا ونحنُ نُسِيلُ الحرفَ والحبرا
يبقى بها رطِباً لساننا وكذا
خطٌّ بأقلامنا في كلِّ ما انتثرا
عِلماً ومعرفةً باح بهِ " كَلِمُن "
مِن " أبْجَدٍ " وَهِجٌ حتّى غدا قَمَرا