تُناولني الضّمانَ
( بحر الوافر )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
١ جمادى الآخرة ١٤٤٤ هـ - ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٢ م
تُناوِلُني الضّمانَ تُريدُ عهْدي
وما يُجْدِ الضّمانُ وأنتَ زَنْدي ؟
أبِالْورَقِ الذي قُطِعَتْ سِحاهُ (١)
نَزيدُ تقارُباً وبلوغَ قَصْدِ ؟
أو الحِبْرِ الذي عَبَثٌ محاهُ
نكونُ على الوفاءِ وصِدْقِ وعْدِ ؟
متى رحُبَتْ حياتُك في إخاءٍ
أتاك نسيمُها من فَيْحِ وَرْدِ
وجادَ الدّهْرُ إحساناً ونفْعاً
وتَنْزَهِرُ النجومُ نَدىً بسُعْدِ
وتأتيكَ المغانِمُ إذْ تَوالتْ
صَفيفاً مُقْبِلاتٍ في الزُّمَرْدِ
وتُصْفيكَ الليالي مِنْ قِراها
لذيذَ العَيْشِ مَمْزوجاً بشَهْدِ
أخوك ذخيرةُ الأيامِ زاداً
ونَجْدُكَ في المزالقِ والتَّرَدي
وأُخْتُكَ نسْمةُ الرّيحانِ هَبّتْ
بألوانِ الحياةِ اللازَوَرْدي
أتَبْحثُ في المواسِمِ عن غطاءٍ
وأخْتُك أو أخوك لحافُ بَرْدِ ؟
وتَسألُ في المحافِلِ عن رداءٍ
وما غيرُ الأُخُوَّةِ لبْسُ بُرْدِ ؟
فِناءُ المَرْءِ محفوظٌ ذِماراً
بإخوانٍ على سَهَرٍ وكَدِّ
فتَلْقاهمْ حداكَ إذا اكْفَهَرَّتْ
سماءُ الدّهرِ واغْتامتْ برَعْدِ
وعَوْنَكَ في الأُمورِ ، متى أتَتْها
خُطاك ، يُضيفُ بُعْداً بَعْدَ بُعْدِ
سعادتُهم تراها في بيانٍ
إذا ظفرِتْ يداك بما تُؤَدّي
حَوادثُهم نعيماً أو غميماً
فَهُمْ لُفُفٌ على فَرَحٍ ونَكْدِ
أياديهم تزيدُ الوَصْلَ طولاً
إذا أعْطَتْ فما قصُرَتْ برَفْدِ
كمالُكَ مِن عزائمِهم تَسنَّى
ونَقْصُك منْهُمُ أضحى بوُجْدِ
متى رَسَتِ الأُخوَّةُ في حياضٍ
فيورَفُ ذا الحياضُ بظِلِّ رَنْدِ
ملاءُ الظلِّ منْسوجٌ بحُبٍّ
كما نُسِجَ الإخاءُ قِلادَ زَرْدِ
فَعُرْوَتُهُ متى وُثِقَتْ رباطاً
فما - لفكاكِها - أبَداً بأيْدِ
فلوْ لاها لما حُفِظِتْ ذِمارٌ
وما تُلِيَتْ على صُحُفٍ وبُرْدِ
ولمْ يَسألْ كليمُ الله رِدْءًا
سِوى الأخِ ، فانْبَرى بلسانِ رُشْدِ
ومَنْ " بصُرَتْ " و عن " جُنُبٍ "لدارٍ
هي الأُختُ الشَّريكةُ حُضْنَ مَهْدِ
و " يوسفُ " مَن سواهُ ؟ إخْوةٌ بَرْ
رَهمْ ، بعد البداةِ ، حياةَ رَغْدِ
ولمْ يحْملْ عليهم حِقْدَ جهْلٍ
كما حَملوا عليه ، بُغاةَ كَيْدِ
وحِفْظُكَ أخيك : حِفْظُ مُروؤةٍ في
سِجالِ العُمْرِ ما حُدَّتْ بحدِّ
لقد عُرِفَ الوِدادُ بمحضِ حُبٍّ
على شِقَّيْنِ : إخوانٍ ووِلْدِ
وفوقَهما عُرى الإحسانِ تسمو -
على الأبَوَيْنِ - تُرْوي حَوْضَ خُلْدِ
أخاكَ أخاكَ ما وسعَتْ قلوبٌ
وما جُبِلَتْ ، نَطائفَ بَيْتَ وَجْدِ
على بُسَطِ الإخاءِ يُجالُ فِكْرٌ
وفي كَنَفِ الأُخوّةِ ثَمَّ نُسْدي
لنا في الرّاشِدينَ غَناءُ رأيٍ
ومِن نُضَدِ الإخاءِ مَنالُ نُشْدِ
بوَهْجِ الشّمسِ نُحميها نُفوساً
وفي الظُلُماتِ نُحييها بسُهْدِ
تَعَوَّدْنا الكَرى عَيْنَ ابْنِ لَيلٍ(٢)
وعَيْنُ النَّسْرِ نُبْقِيها لرَصْدِ
نسيرُ التُؤدَةَ اخْتيرَت سلاماً
ونُوريها إذا اعْتكرَتْ بوَقْدِ
وللوطنِ الذي هو قد حوَانا
نُنَكِّسُها رؤوساً ، شُكْرَ جُنْدِ
وللأفضال مِمَّن قد نَضاها
نَردُّ الفضْلَ مَمْهوراً بوُدِّ
وطارِقُنا نراهُ سَناءَ بدْرٍ
نَباتُ قِعَىً ، ويأوي فوق وِسْدِ
وللعَزَماتِ منّا نَبْضُ قلْبٍ
يُبَلِّغُنا مَساراً ، ذَرْوَ مَجْدِ
ودرْبُ الخيْر نَسْلُكُهُ غراماً
زُقَيْقُ الشّرِّ نَرْدُمُهُ بسَدِّ
١- السِحاء : الغلاف او ما يُشَدُّ به الورق من أدَمْ .
٢- ابن ليل : الذئب .