تَوَسَّلْتُها
تَوَسَّلْتُها تُذكي الجَوى بالْمقاديرِ
فهاجتْ بَقصْفٍ بالهَوى كالْمقاديرِ
ولمَّا سألتُ الرّفْقَ ردَّتْ لَرُبَّما
أتَيْتَ لِمغْنانا على سُوءِ تَقْديرِ
ألمْ تَقْرَإ الْعنوانَ في صَفَحاتِه ؟
لِمَنْ جاءَنا داراً خلا مِن تدابيرِ
هَمَمْتُ الرّجوعَ بالْقليلِ سلامةً
ولكنَّها الألْحاظَ أعْيتْ نَواظيري
متى كنتُ إلاّ في الأسارِ لنظرةٍ
وكمْ قبْلُ أمْراراً أُحَطْتُ بتسويرِ
تلوحُ بطرْف الشُّهْل حتى كأنّها
تُجيلُ شعاعَ الشمْسِ وسطَ المقاصيرِ
ويخلُج من تحتِ الجفون نعومةً
أسي لٌ رفيفٌ في بياضٍ وبلّورِ
على عُنُقٍ شَفٍّ رقيقٍ تظنُّهُ
زُجاجةُ ميْسورٍ أُعِدِّتْ لتعطير
تَدارسْتُ أمْري كيْ ألوذَ بمَخْرجٍ
وأيْقنْتُ ضُعْفي في الْتماسِ المعاذيرِ
وأنَّ الهوى قد أحْكَمَ القبْضَ سِرُّهُ
وأنَّي تَجاهَلْتُ اتِّخاذَ الْمحاذيرِ
إذا كنتَ تبغي مِنْ طِلابٍ بمَقْصدٍ
فقُمْ هامماً واقْدحْ زناداً لتفكيرِ
على إثْرهِ تأتي رجاحاً عقولُنا
ورُجْحانُها يُنْدي برأيٍ و تقْريرِ
وزدْها بعلمٍ في حفاظٍ لنهْجِها
وزِنْها بفهْمٍ للأمورِ وتبصير
وتَقْليبُ رأيٍ في الأُمور تَداوُلاً
كفيلٌ بحفظٍ للودادِ وتثْميرِ
وما خاب ذو أمْرٍ إذا بات مُصْغياً
لما كان في جَدْوى بليغاً بتعبيرِ
وأيُّ نقاشٍ في سِجالٍ وسيعةٍ
تراهُ خلاءً مِن جفاءٍ وتنْفيرِ
ولا سالِمٌ مِن جامحٍ للهوى ،كذا
ولا غانمٌ مَن سار عمْداً بتغرير
هي النَّفْسُ تُغْشى بالهوى حينَ تزْدري
بمَن قادها عزْماً إلى صَوْبِ تَنوير
وتَرْضى بهِ حُبّاً شُعوراً يُدَغْدِغُ الْ
حشايا ولَوْ أَفْضى إلى وضْعِ تدميرِ
ألا يَغْلبُ الرّشْدَ الْهوى عندما تَرى الْ
هوى في نباهٍ والرَّشادَ بتشْخير ؟
ولو صالحٌ أمْرٌ بنَزْقِ الهوى غدا
خِلاجُ الصُّدور الغِرِّ كَفَّ المعاييرِ
وعاثت خَراباً في القلوبِ عناكبٌ
أقامتْ نسيجاً من مَزيفٍ وتزويرِ
إذا أنتَ أسْلمْتَ الهوى فَضْلَ مِقْودٍ
تخالصْتَ مع بَنْك الرّشادِ بتحقيرِ
حذارى مِنَ التفريطِ في خيرِ نعْمةٍ
بها الفضْلُ للإنسانِ فِكْراً بتدْبيرِ
فصُنْها عقولاً من عقالِ غلائلٍ
وأوْقِدْ بها نوراً بعزم المَباصيرِ
لها في اختلافٍ في المرايا غنايةٌ
ومن زَخم الإثْراءِ يُؤتى بتغيير
هو الثّابتُ المُوكى عليه تَقدُّمٌ
إلى نحْو ما يُفضي إلى حُسْنِ تسْييرِ
مخازنُ للأفكار تُبنى إذا اهْتُدى
بما جاء أشْكالاً تُحَيْتَ المناظيرِ
تقوم حياةُ النّاس بالأخْذِ والْعَطى
وهم في الْتقاءٍ عنْدَ قَصْدٍ لِتَعْميرِ
وهل رائدٌ إلاّ صلاحاً بذا ولمْ
يخُبْ مَن بَرى رأياً بوَعيٍ وتخييرِ ؟
ومَن قال: إنِّي لا أُري غيرَ ما أَرى
تَرَدّى غُرورا واسْتطالَ بتبْعير (١)
لقد كانَ صِفْراً عن شِمالٍ كما بدا
وصارَ كبيرَ القومِ عند الصفافيرِ
وتوصيفُ مَنْ يَطْغى بلَغْوٍ كمَن غدا
يُراغي لكي يُدلي بياناً بتفسيرِ
ويحطُبُ ليْلاً عن نشاطٍ بدا ، ومِن
خَبالٍ يرى عُوداً فيَرْغي أيا عِيري
إذا قيسَ عكّازُ الضّرير بما رأى
"أنا" أوْفَ عكّازٌ بوَصْلٍ وتجْسيرِ
لرأيكَ جاهدْ بالدّليلِ مُصاحِباً
ولكنْ حذارى مِن جُموحٍ وتحويرِ
نقاءٌ بها مَتْناً وعمْقُ سريرةٍ
رؤاكَ متى جادتْ وأندتْ بتطوير
وإنْ جاء ما يؤذيك مِن صَوْبهِ أخٍ
فلا ضَيْرَ ما أيْقَنْتَ مِن حُسْنِ تحضيرِ
بزَنْدَيْكَ قد ذابتْ بصَهْرٍ معادنٌ
يمينُك مَن جَلّى بشَذْبٍ وتَقْويرِ
فإن ْعازمٌ أمْراً فَوَجْهَ الكريمِ تبْ
تَغي ، قد كفا عَوْناً لحاقاً بتَيْسير
ومِن بعدُ ذا كُن عايناً بَلْ مُراقباً
عنايةَ حِفْظٍ مِن نكوصٍ وتَقْصير
(١) صار مِثْل البعير