أيا آلَ صَبْرٍ
أيا آلَ صَبْرٍ لِلمَدامعِ قد رقىٰ
وفُزْتُمْ بِها قُرْبىٰ وَقَصْداً ومُرْتَقى
أُصِبْتُمْ ولِلْأقْدارِ سَهْمٌ وعَفْرَةٌ
وبتُّمْ على الأحزانِ بالذِّكْرِ نُطُّقا
وما غيرُكم أهلٌ يَجودُ على التَّوىٰ
بصَبْرٍ على الشَّدَّاتِ شَدَّ وفَرَّقا
إذا جاءَتِ الأرْزاءُ جاءَ كِباحُها
نُفوسٌ على البَلْوى تَزيدُ مِنَ التُّقى
وبأسٌ تَرَبَّى واسْتقالَ مَناحةً
يقولُ لِيَ الأكبادُ تأوي تَعَشُّقا
هُوَ الحُكْمُ للباري إذا ما تَجَسَّدا
عَليْنا إذنْ نَرْضىٰ وإنْ جاءَ مُؤرِقا
وإنْ قَدَرٌ جابَ الليالي فَظاعةً
فكم قَدَرٍ جادَ النُّفوسَ وأَغْدَقا
ومَنْ يَرْقُبُ الأيّامَ شَتّى صُرُوفُها
فقد عَيَّ في الحُسْبانِ صَبّاً وأُدْلِقا
حِكايةُ يومِ بالسّوادِ شَجيرةٌ
سِنيناً ، وأُخرى بالبياضِ ، وما بَقى
سُكونُ الليالي في الرَّخاءِ خَديعةٌ
مَتى عَصفَتْ شَقَّ الوميضُ وأبْرَقا
وفي " سَمَدٍ " شُمُّ الأُنوفِ تَقَيَّلوا (١)
وأَمْسوا إلى حيْثُ الصّعيدُ تَرَوْنَقا
بِغُرِّ الوجوهِ انْساحَ مِنها شُحوبُها
وأوْفَتْ إلى الفردَوْسِ داراً ومعْتِقا
وطُلّابِ عِلْمٍ بالوَفاءِ تعانَقوا
لِيَمْضوا حِثاثاً بالعُلومِ تَعَلُّقا
زُهورٌ يَشّعونَ السّناءَ نَضارةً
زَهَوْا بالمُحَيّا عنْ نُضارٍ تَعَتَّقا
طِوالٌ بأَعْناقِ الشُّموخِ نَجابةً
قِصارٌ بأَعْمارِ السّنينِ تَذَوُّقا
يُداهِمُ ذو المِيمَيْنِ نَجْوى حُلومِهم (٢)
ويَمْضي بها تحتَ الرِّجام تَمزُّقا
تَشَيّا دُعا الأقدارِ نالَ طُفولةً
وشَدّ على الفِتْيانِ حَبْلاً ومَوْثِقا
وما رحَلوا إلاَ صُعوداً لوارِفٍ
وما ذَهَبوا إلاّ قَضاءً تَحَقَقا
يَطيبونَ في الجَنّاتِ نُعْمى ، وخَلََفوا
لدى الأهلِ والوافينَ حُبّاً وأشْوُقا
حبَاهُمْ بِهِ الباري رُقِيَّاً تَرى لهُ
قُلوباً تَنَدَّتْ بالقُبولِ تَوَرُّقا
إذا كانَ للوادي طريحٌ ورُغْوةٌ
فللعَقْلِ بالقُلّاتِ نورٌ تَألّقا
لماذا نَرى ضَوءَ النّهارِ غَمامةً
ونَحْجِبُ حُسْنَ الرَأيِ شَفَّ وأبْلَقا ؟
ونُؤتىٰ على التِّكْرارِ مِنْ صَوْبِ غَفْلَةٍ
تَنُوبُ على الحَسْراتِ تَرْجو تَشَفُّقا
وكيفَ نُناجي الله حتّى يُغيثَنا
بَصَيْبٍ عَميمٍ ، ثُمَّ نَجْري إلى الشَّقا
بأيْدٍ وأَقْدامٍ تَدوسُ على الثَّرى
نَخوضُ العُبابَ انْسالَ جَرْياً وأغْرَقا
نُريدُ الحَيا سُقْيا بَفَضْلٍ ورَحْمَةٍ
ويُبْدِلُها السّاهونَ مِنّا تَحَرُّقا
كَثيرٌ مِنَ الماضينَ نَحْوَ مَرامِهمْ
يَروغونَ دَرْباً بالمهالِكِ طُوِّقا
وقد خَبَروا الأخطارَ قَبلَ غُدُوِّهِم
وراحوا حُمولاً بالكتُوفِ تَسَمُّقا
ألا ليتَ شِعري مَنْ يُداوي لجاجةً
ويكْتُبُ وَصْفاً بالدَّواءِ تَصَدُّقا
يُعينُ الزّمانُ النّاسَ دَرْساً وخِبْرَةً
وقَدْ يَدَعُ الإنْسانَ ما إنْ تَحَذّقا
طَبيباً ، حكيماً لِلخُطوبِ يَسوسُها
إلى أنْ يَرى الأطْيارَ للنَّجْمِ طُلُّقا
(١) سمَد : نيابة سمد الشأن بمحافظة شمال الشرقية من عُمان حيث جرفت السيول مركبةً كانت تقلُّ مجموعة من طلاب العلم فراحوا ضحيةّ لها ، رحمهم الله .
(٢) ذو الميمين : الحِمام وهو الموت .