وهُمْ ظَفَروا
*الصورة من موقع (قناة المنار)
( بحر الطويل )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٥ هـ -١١ نوفمبر ٢٠٢٣ م
ألا أيُّها الطوفانُ حين تفجَّرا
جلَوْتَ رقاقَ النّصلِ ما قد تَغبَّرا
أعَدْتَ لحدِّ السّيف بالصَّلتِ فعلَه
وللْبأس إقْداماً أبانَ وأبْهرا
وبَدَّدْتَ لِلْحُلّام قَصْداً ونِيَّةً
وقد بايَعوا أنْ لا يعودَ مُشهَّرا
وما حسبوا أنّ الذي عاهدوا على
سلامٍ يُرَجَّى ، بالعُهودِ تَغجّرا
ولمْ يحفظِ التاريخُ إلاّ خيانةً
لهُ كُتبتْ بالسِّفْرِ غَدراً ومُفْتَرى
وما قامَ إلاّ بالسِّلاحِ عَداوةً
بها مارسَ الطُغْيانَ كالْوَحْشِ إذْ ضَرى
ولا يفْقَهُ المُحْتالُ إلاّ رصاصَها
غليظاً مِنَ النّارِ اسْتَلَظَّ وسُعِّرا
وقد ضاعفَ المكْرَ الذى مِن سِماتِهِ
خِداعُ الذينَ انْسلّ مِنْهم ليَشجُرا (١)
وهُمْ مَن تَوَلّوْا في الأساسِ قِيامَهُ
كياناً بغيضاً بالشُّرور تأمّرا
لقد وضَعتْهُ مَنْ تخلْخَلَ وزنُها
وربَّتهُ مَنْ قادتْ جُيوشاً وعَسْكرا
وما هَمُّهُمْ إلاّ التّسلُّط ديْدَناً
وفرْضَ اقْتِيادٍ بالمَدافعِ مُخْفَرا
أرادوا به أنْ يسْتَمروا وصايةً
على كلّ ما اسْطاعوا قياداً مُسخّرا
ورأْسَ حِرابٍ للمطامعِ حافظوا
عليها وعاءً للتَّحكُّمِ مُضْمَرا
ومَن قال أنْ لُؤْماً تَخَلّوا فما درى
بما قد أذاقوا للأَنامِ مُخَنْسِرا (٢)
ولمْ ينْفعِ الأخلاقَ ما درَّ عِلْمُهم
رخاءً لهُ الأحوالُ تاقتْ لِتنضِرا
ولا دعْوةُ التَّمْدينِ باتتْ عفيفةً
بما أوْسعوها بالزِّناءِ تَعَشُّرا
ولا القَوْلُ بالقانونِ جاءَ مُرادِفاً
لأفعالهمْ ، جاشتْ تَعالٍ تَصَعَّرا
تَشَدَّقُ بالحُرِّيّةِ الْتَفَّ حَوْلَها
نفاقٌ ، عهودٌ غالَبوها تَنَكُّرا
وما برحتْ تلك المبادي رهينةً
لكلِّ انْتقاءٍ للشُّرورِ تَجيَّرا
وإلاّ لما جاروا عليها حقيقةٍ
بأنْ " للفلسطينينَ " أرْضاً ومحْضرا
وما سايروا المحتَلَّ في كلِّ مزْعَمٍ
وما شاركوهُ في الفجور تَسفُّرا
تَعَدّوْا على المِكْيالِ فازْدادَ واسْتوىٰ
مكاييلَ ، بالظُّلمِ اسْتبيحَ وأُهْدِرا
يَلوكونَ حقّاً للدِّفاع صفاقةً
وما ذا سِوى أمْرِ انْقضاضٍ ، فَدَمَّرا
وقالوا لصهْيونَ الدّفاعُ وإنْ بَغَوْا
وإنْ ذَبَحوا الأطفالَ يَبقىٰ مُبَرَّرا
وأمّا الذي قد بُتَّ أرضاً وموْطِناً
فُسُمِّيَ إرْهاباً إذا قام وانْبرى
لِدَفْعِ احْتلالٍ جاثمٍ بسلاحهِ
تلَقَّاهُ تَدْجيجاً ودعْماً لِيفْجُرا
لقد برِأتْ مِنهمْ وجوهُ حضارةٍ
وُحُوشٌ لبَغْيٍ بالحديدِ تَنَمّرا
وقد رَبطَ الحُكّامُ في الغَرْبِ دوْرَهم
بما هُو َ" إسْرائيلُ " تُمْلي تَكَبُّرا
أقامتْ دمِقْراطيّةً إذْ تَبَجَّحوا !
وقد بُنِيَتْ ، ديناً ، غُلُوَّاً تَحَدّرا
ويوْمَ الدّمِقْراطيّةُ اسْتوى لها
خَيارٌ على الإسلامِ ذاقتْ تآمُرا
إلى أنْ تَعَدَّوْها إلى ما يروقُهم
كما في بلادِ العُرْبِ خارتْ تَعَثُّرا
ومِنْها أداروا للعدالةِ ظهْرَهم
وما بَرِحوا يُعْطوا الْمظالمَ معْذرا
وما حرَّكَتْ تلك المقاصلُ خالجاً
لِعَيْنٍ تَرى ، فالقلْبُ شطَّ تَحجُّرا
ولكنَّ للأحرارِ منهم عنايةً
أبانوا وقوفاً واصْطِفافاً تأزّرا
بُرغْمِ المُحالاتِ التى اعْتَرَضتْ لهم
ولكنْ بُغاةُ الحقِّ فاقوا تَجَمْهُرا
وقد راعهمْ ما قد تهادىٰ فظاعةً
وساستُهُمْ يُورون حَرْباً وأنْيُرا
وتَحْيا الشُّعوبُ اسْتَيْقظَتْ عَزَمَاتُها
بحالٍ لها تأتي المواقِفُ زُهَّرا
فيا لِبني قَوْمي عرَفْتُمْ عدُوَّكم
رُؤوساً وأذناباً وظُفْراً وخُنْصرا
فإنْ كُنتُمُ ترْجَوْنَ نَفْضاً غُبارَها
مدافعَ تَمْضي نحْوَ " غَزَّةَ " نُصََرا
ألا فاعْلموا أنَّ الصَّواريخَ بَعدَها
كما بُرْمِجتْ مِنْ قَبْلُ للأخِ قُصّرا
وخارجَ ذا فالْإذْنُ لا بُدَّ يُقْتَضىٰ
مِنَ الجانبِ الْمجلوبِ مِنهُ وصُدِّرا
وأنَّ بلادَ العُرْبِ لا حوْلَ عنْدها
فقد دُمِّرَتْ أوْ أُرْجِعَتْ للقُهَيْقَرا
بِفعْلِ الرَّبيعِ الْكاذبِ انْشَلَّ دوْرُها
فماذا سُتُعْطي مَنْ يُنادي تَحيُّرا
وأُخْرى على التّطْبيعِ شَدّتْ إزارَها
تُريدُ وِداداً أوْ منافعَ كُثَّرا
ويا خَوْفَ مِن هذا الحِطابِ على المَدى
وماذا يَكِنُّ القوْمُ للنَّفْطِ سُيِّرا
أتُبْنىٰ على أمْثال " شَيْلوكَ " عُهدةٌ
وهلْ مِن أمانٍ للّصوصِ أيا تُرى ؟
وهلْ مِن بلادٍ في الزّمانِ تَمكَّنوا
وما نَهبوا حتى الهواءَ تَسَتَّرا ؟
وفي كلِّ عَصْرٍ بالفُجورِ تَصايَحوا
وفي كلِّ قُطْرٍ طَوَّعوهُ ليَدْمُرا
ودَقُّ الأسافينِ ارْتَضَتْهُ طِباعُهم
يُحيلُ الصّفا بين الإخاءِ تَكَدُّرا
ألا يابَني العُرْبِ اقْتصَرْتُمْ على الرُّغا
أديروا الأيادي لِلفِعالِ تَخَيُّرا
أقيموا الصّناعاتِ الجديرةَ بالوَفا
بما هُوَ يحْمي مِن نُيِوبِ الغضنْفرى
ألا إنَّ تصْنيعَ السِّلاحِ ضرورةٌ
تقومُ كتصْنيعِ الغِذاءِ تَمَحْوُرا
تجَدّدَ ذا الإنسانُ في أدَواتهِ
ولكنَّ بالْأنيابِ زادَ تَكَشُّرا
ومَنْ ليسَ ذا نابٍ تجنْدَلَ جانباً
وديِسَ دَواساً بالْحوافِر جُرْجِرا
وما حلّتِ النّكْباتُ إلاّ على الأُلى
تَخَلَّفتِ الأعْمالُ منْهمْ عنِ الْورىٰ
لقد عَرَفَ الأبطالُ مِن " غَزَّة " السَّنا
طريقاً بهِ يَبْنونَ جَيْشاً مُقَصْوَرا
وبِ " الْياسنِ " اهْتمّوا يكونُ صناعةً
سلاحاً على التّوْطين جاءَ مُحضَّرا
ألا دَرَّ دَرُّ الباسطينَ نفوسَهم
فداءً وقد شَدُّوا الرِّحالَ إلى الذُّرى
" وقفْتُمْ وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ "
وبايَعْتمُ الأوْطانَ بذْلاً مُظَفَّرا
وأعطيْتُمُ الأمثالَ لا حدَّ رَدَّها
صُموداً وإقْداماً إلى النَّصْرِ دُوِّرا
وفي " غزََةَ " الأحرارُ همْ كلُّ أهْلِها
سَخَوْا بالدِّما طُهْراً وما مَنْ تعَذَّرا
لكمْ كُتِبتْ أبْرارَ حقٍّ وموْطِنٍ
فيوضٌ مِنَ النُّعمىٰ جِناناً وكَوْثَرا
وفضْلاً على الأجْيالِ لأْلأَ بالدُّجىٰ
ودرْساً يُفيدُ الرّاغبينَ تَحَرُّرا
لكُمْ مِن عُمانَ الهَيْثم امْتَدَّ فَوْحُها
تَحيَّةَ إجْلالٍ ، وحُبَّاً مُعَطَّرا
لقد وقَفَتْ كالطَّوْدِ حُكْماً وفِتْيَةً
تذودُ بما اسْطاعَتْ جُهوداً ومَخْبَرا
عُمانُ هيَ التاريخُ تحْفظُ دَوْرَها
معَ الحقِّ صَوْناً ، والْهزيمُ تَزَمْجرا (٣)
وقد أيَّدَ الرّحمنُ في مَلَكُوتهِ
سِهاماً تُعيدُ الأرضَ ، جَمْعاً تَنَفَّرا
و هُمْ ظَفَروا بَيْنَ ابْتِلاءٍ ومغْنَمٍ
إلى المَسْجدِ الأقْصىٰ ، فَشَعُّوا تَنَوُّرا
سَقىٰ اللهُ مسْعاكمْ رَواءً ، هُوَ الذي
لهُ العَزَماتُ الغُرُّ نصْراً مُؤَزَّرا
١- ليشجرا : ليقطع
٢- مُخنسِرا : مُهْلِك
٣- الهزيم : صوت الرّعد