لقُدْسِكَ رَبَّنا
( بحر الوافر )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
١٥ جمادى الأولى ١٤٤٥ هـ - ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣ م
لقُدْسِكَ رَبَّنا أُبْدي غَراما
وبالْكلِماتِ أَدْعوكَ احْتِداما
بكَ الإيمانُ إخْلاصاً تَسامى
وبالْقُرآنِ يَهدينا السّلاما
خَلَقْتَ النَاسَ فاغْتَنموا بفضْلٍ
فَرَشْتَ الأرضَ تَحْفظُها نِظاما
وأعْلَيْتَ السَّما بُرْجاً ونَجْماً
وجادَ الماءُ سِلْسالاً وَداما
لكَ الكُرْسيُّ ما وَسِعَ الطِّباقَ -
-التي رُفِعِتْ ، وما انْصَدَعَتْ ثِلاما
وتَأْذَنُ بالشَّفاعةِ إذْ تَشاها
لِمنْ رَسَمَتْ لهُ الآثامُ شاما
وللإنْفاقِ ضاعَفْتَ ، احْتساباً ،
لهُ أجْراً ، بِيَوْمٍ نالَ عاما
ومَنْ يَمْنُنْ فما لاقاهُ أجْراً
وعادَ بَمَنِّهِ صَلْداً رُخاما
وأنْزلْتَ الْكِتابَ مُصَدِّقاً ما
تَنَزَّلَ سابقاً هَدْياً وَراما
هُوَ الفُرْقانُ إذْ نَقَّى وجَلَّى
عَنِ التَّوْراةِ والإنجيلِ حامىٰ
تُصَوِّرُ كيفَ شِئْتَ نَسيجَ خَلْقٍ
بِذا المَخْلوقُ بُورِكَ واسْتَقاما
وللآياتِ فَصَّلْتَ اعْتِناءً
عَليْها الْمُحْكماتُ زَكَتْ إماما
وبالقِسطِ الذي ما اخْتَلَّ وَزْناً
أقَمْتَ الْعدْلَ نَهْجاً واعْتِصاما
وتُؤْتي المُلْكَ تحْقيقاً وقَصْداً
ومَنْ تُذْلِلْ فَقدْ نُزِعَ القَواما
وكلُّ الخيرِ تَحْويهِ كفاءً
يُثِيبُ بقُدْرَةٍ مِنكَ الأناما
إلٰهي تُولِجُ اللّيلَ اسْتَناهُ
نهارٌ يَبْرأُ الرُّؤيا سَقاما
وتُحْيي مِنْ مَواتٍ أوْ جمادٍ
وقَدْ رَمُمَتْ فتُحْييها عِظاما
كمِ اللّهُمَّ ألَّفْتَ الْقُلوبَ -
التي بَلَغَتْ عَداوتُها ضِراما
وأصبحَ مَنْ بِرُكْنٍ قد تَوَلّىٰ
قريباً واهْتَدى الدّينَ اعْتِراما
بَرَأْتَ الخَلْقَ مِنْ نَفْسٍ ومِنْها
خلَقْتَ الزَّوْجَ واقْتَسما ذِماما
وللأيْتامِ داوَيْتَ احْتِباساً
مِنَ الشّكْوىٰ وأقْمَرْتَ الظّلاما
ومالُ اليُتْمِ محفوظٌ بُحْسنىٰ
ولمْ يُؤْكَلْ على نَهَمٍ لِحاما
فَرَضْتَ الحُكْمَ بالعَدْلِ اسْتِداداً
ولا تَرْضىٰ الخلائقَ أنْ تُساما
وربِّي لِلْغُلُوِّ ألَزَّ باباً
وغيرُ الحقِّ لا يُولي زِماما
أتَمَّ رسالةَ الإسْلامِ قامتْ
على التَّوْحيدِ صِدقاً واعْتِزاما
وكُلُّ الطّيِّباتِ أحَلَّ عَيْشاً
إلى سُبُلِ السّلامِ هَدى النُّدامى
وأخْذُ الزِّينَةِ احْتُسِبَتْ ، إلٰهي
بأَمْرِكِها ، بلا سَرَفٍ ، لِزاما
وما غَيْرُ الفواحِشِ ، ظاهراتٍ
جَعَلْتَ ، وباطناً مِنْها ، حَراما
وما لِلْبَغْيِ وَجْهٌ أوْ مَجالٌ
حِمى الحَقِّ المَتينِ صَفَتْ وِئاما
لهُ المَوْلى ولايةُ كلِّ عَبْدٍ
ومَنْ ضَلَّ النُّهى ذاقَ اخْتِراما
وشَرَّعَ للقصاصِ أداةَ عَدْلٍ
وما حِيفَ الذي خَسِرَ الخِصاما
إلٰهي : تُدْرِكُ الْأبصارَ طُرّاً
وليْسَتْ هِيْ بِدارِكةٍ مَقاما
عَلِمْتَ السّرَّ والجَهْرَ احْتواءً
دبيبُ النَّمْلِ تعْرِفهُ الْتِماما
وما في الصَّدْرِ مكْشوفٌ غطاءً
لذاتِ الصَّدْرِ لا تُبقي لِثاما
وما في البَحْرِ يَطْفو مِن عميقٍ
وما في البَرِّ لا حَفِظَ الْتئاما
ورحْمَتُك التي وسِعتْ وفاضتْ
كَتَبْتَ بها لِمنَ قام الْتِزاما
بِتَقْواكَ اسْتَزادَ بها عُلُوَّاً
مِنَ الإيمانِ ما خَلَيَ انْهِزاما
وتُرْسِلُ بالِّرياحِ بَشيرَ غَيْثٍ
فيسْقي الأرْضَ يُخْصِبُها انْسجاما
وللصَّدقاتِ أحْكَمْتَ المَناحي
ووَسَّعْتَ المَصارِفَ والْمَراما
وأنْتَ أيا إلٰهَ الكَوْنِ تَجزي
لِمَنْ عمِلَ اسْتِباقاً واهْتمِاما
وتَكْشِفُ لِلضِّرارِ إذا تَعَدَّى
ويَدْعوكَ الوَرىٰ دَفْعَ الوِخاما
كتبْتَ الرِّزْقَ مَبْسوطاً عطاهُ
وقد كَفَلَ المعاشَ ولوْ تَرامى
أتى التّنْزيلُ بالآياتِ رُشْداً
وبالْقِصَصِ العِظامِ طفا وعاما
أرَدْتَ بها الهِدايةَ واتِّعاظاً
لِمنْ يَتْلو ويَطْلُبُها غَراما
وقدْ أرْسَلْتَ طُهْرَ الرُّسْل تَتْرى
إلى التّوْحيدِ يدْعونَ الأَناما
وبالْحُسْنىٰ إلى شَرَفٍ يُنادَىٰ
أمَرْتَ بصيرةً ، رَبِّ ، اغْتِناما
وقدْ أكْرمْتَ عَبْدكَ في اخْتِيارٍ
فلا إكْراهَ ديناً أوْ صِداما
ولا تَغْييرَ ما لمْ يُولَ أمْرٌ
مِنَ التَّجْديدِ ما يَبْري الكِهاما
بِذِكْرِكَ يا بديعَ النَّفْسِ نُلْفىٰ
تَطَمَّنّا قُلوباً ، وابْتِساما
لقدْ سَهَّلْتَ قُرْبَكَ يا عظيمٌ
فنَحْنُ ب " إذْكُروني " لنْ نُضاما
رَفَعْتَ الشُّكْرَ مِكثاراً لخَيْرٍ
ومَنْ يَشْكُرْ فقد تَعِبَ اسْتِلاما
وطِيبُ القَوْلِ أغْصانٌ وزَهْرٌ
وخُبْثُ القَوْلِ قدْ رَشِحَ المَساما
وللْخُلُقِ الكريمِ دَعوْتَ وَصْلاً
وللْأبَوَيْنِ أَمَّنْتَ القِياما
بإحْسانٍ تَقَلَّدَ بالّآلي
وَفىٰ ذُلّاً وحُبَّاً واحْتِراما
عِبادتُهُ جليلِ الشّأنِ تَقْضِي
سَديدَ القَوْلِ مَنْ يَرِدِ الكلاما
ولا يقْفُ الغيوبَ بِليسَ عِلْمٍ
وقدُ سُئلَ الفؤادُ وإنْ تَعامىٰ
هَدَيْتَ إلى السّلامِ بكلِّ آيٍ
ونبْدأُ للِّقا قَوْلاً سَلاما
وما لِلْفِتْنَةِ الغَبْراءِ وَسْعٌ
وقد كَفَلَ الْحكيمُ لها ارْتِطاما
بأحْسَنِها يُجادَلُ في خِلافٍ
كلُطْفِ الغَيْثِ حينَ غدا رِهاما
تَبَخْتَرَ باطِلٌ حتّى تَرَدّى
مِنَ الْحقِّ انْدِماغاً وانْهِداما
ومَنْ خَدّاً تَصَعَّرَ أو تَمَشّىٰ
على مَرَحٍ فكَمْ زلِقَ الرَّغاما
جَعَلْتَ مَعَ الصّلاةِ خُشُوعَ قَلْبٍ
ومنْها لِلْفلاحِ يُقالُ قاما
وما للَّغْوِ في الإيمانِ ثَغْرٌ
حَذارَ الزَّلِّ ما جَلِبَ المَلاما
إلٰهي لِلْفُروجِ أمَرْتَ صَوْناً
ولِلْأعْراضِ حِفْظاً واحْتِشاما
ولا يُجْنى الفلاحُ وليْسَ تُرْعىٰ
أماناتٌ وما حُفِظِتْ تَماما
بسَطْتَ يَداً مِنَ التّفْكيرِ تُعْطىٰ
لِمنْ عِشِقَ الوجودَ كما تنامىٰ
و " سِيروا في " رِحابِ الأرضِ أَمْرٌ
يُزاهِيها صلاةً أوْ صِياما
ألا يَتَفَكَّرونَ أتَتْ بلاغاً
ودعْوى للتَّفَكُّرِ كيْ يُشاما
فليْسَ بغَيْرِ ما نَظَرٍ وسَبْرٍ
تُرى الأشْياءُ إنْ عَكِرتْ قَتاما
ولنْ يُمْضىٰ أماماً باقْتِدارٍ
إذا ما العقْلُ مَثَّلَها نَعاما
أيا ربِّ الذي مَسحَ الخطايا
غَفَرْتَ الذَّنْبَ فانْطَفأَ اصْطِلاما
وتَقْبَلُ تَوْبَةً مِنْ كلِّ عاصٍ
ولو كانتْ مَعاصيِهِ رُكاما
مَنَحْتَ العَفْوَ في كَرَمٍ وحَضٍّ
على الْعَفْوِ الذي يَلِدُ التَّواما
وللصَّبْرِ الجَميلِ رَفَعْتَ شأناً
صَلَتَّ بِهِ على الْبَلْوىٰ حُساما
جَزَيْتَ الصّابرينَ عَظيمَ أَجْرٍ
فقد كُفِلوا حِساباً أوْ زِحاما
بِأَحْسَنَ مِنْ حديثٍ جادَ قوْلٌ
وبالدِّينِ القَويمِ جَلا الْغَماما
وما كَلَّفْتَ رَبِّ النَّفْسَ حِمْلاً
بما وَسِعتْ جَعَلْتَ لها احْتِكاما
وقدْ رُهِنَتْ بما كَسَبتْ وغَلَّتْ
مِنَ الْإثْمارِ زَهْراً أو ثُماما
وأنْتَ اللهُ مَنْ أعْطىٰ ووفَّىٰ
مِنَ النُّعْمىٰ وما شُكِمتْ لِجاما
أمَرْتَ العَبْدَ يَدْعوكَ ارْتِجاءً
لِفَضْلٍ أو لِما رَتَقَ انْفِصاما
بَعَثْتَ الْمُصطفى فأقامَ ديناً
على الإيمانِ أُسَّاً والْتِحاما
وقامتْ دوْلةُ الإسلامِ عدْلاً
وقامتْ أمَّةٌ سمِقتْ سِناما
وَسارَتْ بالهُدى تَبْغي صلاحاً
لكُلِّ النّاسِ ، واسْتَلَمتْ خِطاما
تقودُ العالَمينَ إلى رِحابٍ
مِنَ الخَيْراتِ ما انْثَنِيَتْ سِهاما
يُصاحِبُها إلى الآفاقِ كَنْزٌ
مِنَ الأخلاق ِ وادَّرَعَتْ صِراما
وقدْ حَفِظَ الهُداةُ لها دليلاً
مِنَ القرآنِ وانْتَشروا كِراما
يَبُثُّون المكارمَ كُلَّ رُكْنٍ
وما ضاقوا بُروجاً أوْ خِياما
وأُسْوَتُهُ نَبِيِّ الحَقِّ نُورٌ
يُضيءُ لهمْ ، بها ولَعوا هِياما
بها فتَحوا وشَدُّوها رِحالاً
وللدُّنْيا أحالُوها وئاما
وما وَهنوا لخَصْمٍ طالَ ظُلْماً
وللْأَعْدا أذاقُوهمْ حِماما
ويوْمَ النَّصْرُ كانَ لهمْ حليفاً
فقد رهَنوا نُفوساً والرّجاما
وما اغْتَرّوا نَعيماً أو رفاهاً
وما تَخِموا شراباً أو طعاما
وما فَرَشوا بساطاً لِلْمُرابي
وما جعلوا النِّفاق لهم حَماما
صُحاةَ العَزْمِ كانوا واصْطٍبارٍ
عَنِ الإقْدامِ ما فَكُّوا حِزاما
وإنََ لِفتْيَةِ " الأنْفاقِ "وَصْلاً
بساحاتِ الرِّباطِ علا وِساما
بِيَرْموكٍ وحِطِّينٍ تَأَسَُوا
على بَدْرٍ ، مَضَوْ نَهْجاً ، شِهاما
هوَ الْقُرْآنُ إذ شَرِبوا نَميراً
وأرْواهمْ وما سَئموا لِهاما
وأهْداهُمْ قُلوباً مِن حَديدٍ
وهَيَّأَهُمْ إلى الهَيْجا عُراما
وألْبَسَهُمْ مِنَ التَّقْوىٰ دُروعاً
تَزَكُّوها مغاويراً هِماما
وقد سَلَكوا إلى التَّمْكينِ درْباً
بآيِ الله إذْ عَمِلوا فِهاما
فأَوْفَوْها يقيناً ثُمَّ جُهداً
مِنَ التّخْطيطِ لمْ يَعْطِسْ زُكاما
وللتَّجْهيزِ جَدُّوا ما اسْتطاعوا
كما شَكَموا معاقِلَهمْ سِلاما
فقام الْأُسْدُ صَوْلاً وانْقِضاضاً
فَبُدِّدَ بالنِّعاجِ رعَتْ سُواما
وما رِيعُوا بما قد زِيفَ قِدْماً
لجيشٍ كمْ هَوىٰ بعدُ افْتِحاما
أذاقوهُ الرَّدى في كلِّ سَنْحٍ
تجَرَّعَ مِنْهُمُ سُمَّاً زُماما
هُمُ الْفِئةُ القَليلَةُ مَنْ أتاها
عظيمُ الْوَعْدِ نَصْراً واقْتِحاما
فيا ربِّ الذي خلَقَ البرايا
جُنُودُكَ في الوغى فاكْرِمْ فِخاما
مِنَ الأفْذاذِ مَنْ نذَروا نُفوساً
فِداءً للهُدى رَسِخَ الدِّعاما
ولِلأرضِ التي سُلِبتْ وأهْلٍ
حُماةِ الدِّين مَنْ حفِظوا مَقاما
جُنودُكَ يا كَريمٌ في التْماسٍ
لنَصْرٍ يَنْفَحُ الدُّنيا خُزامى
ومِنْكَ النَّصْرُ قد أزْكىٰ عَطاءً
ومِنْكَ الفضْلُ مَمْنوناً مُداما
وصَلِّ أيا إلٰهي في سَماءٍ
على المُخْتار واقْرأَهُ السَّلاما