سَطْوةُ الحُب
( بحر الرَّمَل )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
٢٢ جمادى الآخرة ١٤٤٤ هـ - ١٥ يناير ٢٠٢٣ م
يا لطيفاً مرَّ سهْماً وانْبَرى
أبيضاً كالبَدْرِ حازَ المنْظَرا
قُلتُ في النفسِ وكم ذا راعَني
مالَها الأقمار تمشي في الثَّرى
هاجني بالخَطْوِ حتى خِلْتُهُ
مُرْسَلَ الرَّوْقَيْنِ مفْزوعاً جرى (١)
مَرَّ ظَبْياً عارضا بِضَّ الطُّلا (٢)
والخُزامى هاتِكٌ فيما سَرى
قُمْتُ أقْفو الطِّيبَ مِن حيثُ أتى
غيرَ أنَّ النَّشْرَ للجَوِّ اعْتَرى
ضاعَ في الآجامِ والضوْءُ خَبا
وارْتَماني الحظُّ عَوْدَ القَهْقَرى
بِتُّ ليلي أضْرِبُ الأخماسَ في
جَدْوَلِ الأسداسِ محْرومَ الكَرى
ومِجَسُّ الشَّوْقِ يعلو شاهقاً
قال : إنِّي صِرْتُ صَيْدَ الْهَزْبَرى (٣)
وانْتظرتُ الغدَ بالعزمِ على
أقصُدُ المِحْرابَ أربو المَعْبَرا
في الأماسي بعد ما جَنَّ الدُّجى
كُنتُ عند الْمَرْعِ أرجو المحْضرا
كلَّما حفَّتْ وُرَيْقاتٌ بهِ
نَطَّ قلبي وانْحمى فيه الغَرا
ذائباً في الشوْقِ حتى يَلْتقي
ضَيْفَ حُبٍّ واجِباً فيه القِرى
جادتِ النَّسْماتُ بالعِطْرِ الذي
جادَ بالبُشْرى عقيقاً أحمرا
هذه الَّلحْظاتُ تدنو بالمُنى
كلُّ ما في الأرضِ أمسى أخضرا
ترقُصُ الأنْجُمُ في جوِّ السَّما
تُبْدِعُ الإيقاعَ لَحْناً أبْهرا
تَلْتقي العيْنان والبرْقُ سنا
فَيَهيمُ الْوَجْدُ والشّوْقُ انْضَرى
بالسلامِ العِفِّ قَدَّمْتُ الْوَلا
ورسولُ الحُبِّ أفشى المخْبَرا
سَأَلَتْ مَن أنتَ تُبْدي مَبْسماً
وعليك السُّهْدُ يبدو سَيْطَرا
قُلْتُ : مَنْ ألْقَيْتِ أشْراكاً لهُ
وغدا مِن وَقْعِ سَهْمٍ مُسْعَرا
أنتِ مَنْ قَدْ فَتَحَتْ بابَ الهوى
مُشْرَعاً فاقْتادَ قلبي وانْغَرى
حُسْنُكِ الأخَّاذ نادى واعْتلى
سِدَّةَ الأكباد ، أضحى قَيْصرا
آمِراً بالحُبِّ محكوماً على
مَن لِطَوْعِ الحُبِّ يبني مَشْعَرا
بانَ ضُعْفي واستبانتْ رِقَّتي
واسْتَوَتْ جَنْبي وفاحتْ مَبْخَرا
خِلْتُ سِرَّ الكَوْنِ لبَّى دعْوَتي
ودُعا المُشْتاقِ مَحْضٌ جَوْهَرا
أو كأنَّ الزَّهرَ ثنَّى طَلْعةً
فَتَّحَ الأكمامَ عِزَّ الْمُسْتَرى
أو كأنَّ الشَّمسَ ردَّتْ قُرصَها
وانْطوى سِتْرُ الدُّجى أو أدْبَرا
فَعَطَفْتُ القوْلَ أُبْدي بَهْجتي
فتُميدُ الْعِطْفَ تَبْغي الأوْفَرا
أعْطني البَوْحَ الذي يُسْمِعُني
رِقَّةَ الشِّعرِ وتسْبيحَ الْوَرى
قُلْتُ : أنتِ البَوْحُ سبْحاً ودُعا
وبكِ الأشعارُ فاضتْ دَفْتَرا
فيكِ كُلُّ النُّظْمِ يأتي سَلْسَلاً
والقوافي دُرُّها قد أسفَرا
يا قصيدَ الحُبِّ يا لحْنَ الذُّرى
أنتِ روْضٌ في الرَّوابي نوَّرا
أنتِ حقْلٌ في اخْضرارٍ دائمٍ
وبكِ النَّسْماتُ تأتي عَنْبَرا
سِحْرُ عَيْنيْكِ إذا ما نَظرَتْ
قَلْعةُ الأحزانِ تُمْسي بَعْثَرا
لوْ دنا مِن ناسِكٍ آنَ لهُ
خَلْعُ عِمٍّ أو يُجافي الْمَنبَرا
زعْفَرانُ الخَدِّ رُقْيا حائرٍ
كلُّ حرْفٍ فيه يَشفي مَعْشرا
وافْتِرارُ الثَّغْرِ فَصٌّ نُورُهُ
يَرْسُمُ الأحلامَ ساحاً مرْمَرا
مَبْسَمٌ فيهِ الَّلمى عَسَّالةٌ
والثّنايا رَوْضُ وَرْدٍ أزْهَرا
والرّضابُ الحُرٌّ قِنْدٌ سُكَّرٌ (٤)
يَرْتَوي مِن شَهْدِهِ مَن أكْثَرا
أنتِ وحيٌ للنُّهى كي تَقْتفي
بَعْضَ سِرٍّ للهوى فيما غَرى
كُلُّ شيءٍ فيكِ مرسومٌ على
مِثْلِ رَسْمِ الحُورِ في الخُلْدِ انْذرى
خَبِّريني كيف تأتي في الدُّنا
مَن بمِثْلِ الحُسْنِ إيّاكِ انْطرى
وَجِّهي أمْري بما شِئتِ إلى
حيثُ تُسْقى الرُّوحُ نَهْلاً كَوْثَرا
واتْرُكيني أرْشُفُ الحُبَّ جَنَا
مِن شِفاهٍ يَكْفِني صَيْدَ الْفَرا (٥)
سَطْوَةُ الحُبِّ إذا ما اضْطَرَمَتْ
تُخْضِعُ الأحْلافَ ثُمَّ الْمِحْوَرا
١- الرَّوْق : قرن الحيوان
٢- الطُّلا : العُنُق
٣- الهزبر : الأسد
٤- القِند : عسل قصب السُّكَّر
٥- الفرا : بقر الوحش ( المها )